كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم بين كونه فالق الحب والنوى بقوله: {يخرج الحي من الميت} لأن فلق الحب والنوى بالنبات والشجر الناميين من جنس إخراج الحي من الميت، لأن النامي في حكم الحيوان ولهذا قال: {يحيي الأرض بعد موتها} [الحديد: 17] ثم عطف على قوله: {فالق الحب} قوله: {ومخرج الميت من الحي} قال ابن عباس: أخرج من النطفة بشرًا حيًا ثم يخرج من البشر الحي نطفة، أو يخرج من البيض دجاجة ومن الدجاجة بيضًا، أو يخرج المؤمن من الكافر كما في حق إبراهيم، والكافر من المؤمن كنوح وابنه، أو المطيع من العاصي والعاصي من المطيع، أو العالم من الجاهل والجاهل من العالم، أو الكامل من الناقص والناقص من الكامل، وقد يجعل الضار نافعًا وبالعكس.
يحكى أن إنسانًا سقى الأفيون في الشراب ليموت فلما تناوله ظن القوم أنه سموت فرفعوه وجعلوه في بيت مظلم فلدغته حية وصارت تلك اللدغة لقوّة حرارة سم الحية سببًا لدفع ضرر برد الأفيون. ونقل عن عبد القاهر الجرجاني أن قوله: {ومخرج الميت} معطوف على قوله: {يخرج} وإنما حسن عطف الاسم على الفعل ههنا، لأن لفظ الفعل يدل على اعتناء الفعل بذلك الفعل في كل وقت بخلاف لفظ الاسم ولهذا قال: {هل من خالق غير الله يرزقكم} [فاطر: 3] ليفيد أنه يرزقهم حالًا فحالًا وساعة فساعة إذا ثبت هذا فنقول الحي أشرف من الميت، فذكره بلفظ الفعل فيدل على أن الاعتناء بإخراج الحي من الميت أكثر من العكس {ذلكم الله} المدبر الخالق النافع الضار المحيي المميت {فأنى تؤفكون} فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره، أم كيف تستبعدون البعث والنشور لأن الإعادة أهون من الإبداء؟ ثم عدل عن الأحوال الأرضية إلى الاستدلال بما فوقها وهي الأحوال الفلكية فقال: {فالق الإصباح} وهو مصدر سمي به الصبح، المراد فالق ظلمة الإصباح وهو الغبش في آخر الليل وكأن الأفق كان بحرًا مملوءًا من الظلمة. ثم إنه سبحانه شق ذلك البحر المظلم بأن أجرى فيه جدولًا من النور. فالمعنى فالق ظلمة الإصباح بنور الإصباح، وحسن الحذف للعلم به. أو المراد فالق الإصباح ببياض النهار وإسفاره ومنه قولهم انشق عمود الفجر وانصدع الفجر أو المراد مظهر الإصباح بواسطة فلق الظلمة، فذكر السبب وأراد المسبب، أو الفالق بمعنى الخالق كما مر وقد سلف لنا تقرير الصبح في البقرة في تفسير قوله عز من قائل: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار} [البقرة: 164] ثم إن كون الصبح بسبب وقوع ضوء الشمس على ضلع مخروط ظل الأرض في جانبه الشرقي لا ينافي كون الله سبحانه فالق الإصباح بالحقيقة، كما أن وجود النهار بسبب طلوع جرم الشمس عن الأفق لا ينافي ذلك، والإمام فخر الدين الرازي أراد أن يبين أن ذلك بقدرة الفاعل المختار فنفى كونه بسبب ضوء الشمس بحجج اخترعها من عنده وكلها خلاف المعقول والمنقول من علم الرياضة فلذلك أسقطناها عن درجة الاعتبار. النوع الثاني من الدلائل الفلكية الدالة على التوحيد قوله: {وجاعل الليل سكنًا} حجة من قرأ باسم الفاعل أن المعطوف عليه اسم فاعل، وحجة من قرأ بصيغة الفعل أن قوله بعد ذلك {والشمس والقمر} منصوبان ولابد من عامل وما ذلك إلا أن يقدر جاعل بمعنى جعل.
والسكن ما يسكن إليه الرجل ويطمئن إليه من زوج أو حبيب ومنه قيل للنار: سكن كما سموها المؤنسة لأنها يستأنس بها، والليل يطمئن إليه التعب بالنهار لاستراحته فيه وجمامه. ويحتمل أن يراد: وجعل الليل مسكونًا فيه كما قال: {لتسكنوا فيه} [يونس: 67] فالليل والنهار من ضروريات مصالح هذا العالم، فهما نعمتان من الله تعالى وآيتان على وحدته وقدرته. النوع الثالث قوله: {والشمس والقمر حسبانًا} أي سببي حسبان لأن حساب الأوقات يعلم بسيرهما ودورهما. والحسبان بالضم مصدر حسب بالفتح كما أن الحسبان بالكسر مصدر حسب بالكسر. وقيل: إنه جمع حساب مثل شهاب وشهبان. قال في الكشاف: الشمس والقمر قرئا بالحركات الثلاث. فالنصب على إضمار فعل دل عليه {جاعل الليل} أو يعطفان على محل الليل لأن اسم الفاعل أريد به هاهنا الاستمرار كما تقول: الله عالم قادر. فلا تقصد زمانًا دون زمان فتكون الإضافة غير حقيقة ويكون لليل محل. قلت: وهذا مناقض لما ذكره في {مالك يوم الدين} [الفاتحة: 3] من أنه يجوز أن يراد به زمان مستمر حتى تكون الإضافة حقيقية، ويصح وقوعه صفة للمعرفة. وأما وجه الجر فظاهر. ووجه الرفع كونهما مبتدأين محذوفي الخبر أي والشمس والقمر مجعولان أو محسوبان حسبانًا {وذلك} الجعل {تقدير العزيز} الذي قهرهما {العليم} الذي دبرهما. وذلك أن تقدير أجرام الأفلاك بصفاتها المخصوصة وهيآتها المحدودة وأوضاعها المعينة لا يتم إلا بقدرة شاملة لجميع الممكنات وعلم نافذ في الكليات والجزيئات. النوع الرابع قوله: {وهو الذي جعل لكم النجوم} عد هاهنا من منافع النجوم كونها سببًا للاهتداء إلى الطرق والمسالك {في ظلمات البر والبحر} حيث لا يرون شمسًا ولا قمرًا. والتقدير في ظلمات الليل بالبر والبحر فأضافها إليهما لملابستها لهما. وقيل: المراد ظلمات بر التعطيل وبحر التشبيه فإن اختصاص كل من هذه الكواكب بحال وصفة أخرى مع تشاركها في الجسمية دليل ظاهر على مختار قادر. وأيضًا اتصافها بالأعضاء والأبعاض والحدود والأحياء مع أنها لا تصلح للإلهية بالاتفاق دليل على تنزيه الله سبحانه من هذه السمات ولهذا قال: {قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون} فيستدلون بالمحسوس على المعقول وينتقلون من الشاهد إلى الغائب.
ثم عدل عن الآيات الآفاقية إلى آيات الأنفس فقال: {وهو الذي أنشأكم} أي خلقكم بطريق النشؤ والنماء {من نفس واحدة} هي آدم وحوّاء مخلوقة من ضلع من أضلاعه، وكذا عيسى لأنه من مريم وإن كان يتوسط كلمة كن أبو بالنفخ وهي من آدم {فمستقر} من قرأ بكسر القاف فالتقدير فمنكم مستقر {و} منكم {مستودع} الأول اسم فاعل والثاني اسم مفعول.
ومن قرأ بفتح القاف فالتقدير: فلكم مستقر ولكم مستودع. فيكون كلاهما اسمي مكان أو مصدرًا. وذلك أن استقر لازم فلا يجيء منه المفعول به بلا واسطة فينبغي تفسير مستودع أيضًا بما يشاكله استحسانًا. وعن ابن عباس: أن المستودع الصلب والمستقر الرحم لقوله: {ونقر في الأرحام ما نشاء} [الحج: 5] ولأن اللبث في الرحم أكثر فيكون لفظ القرار بذلك أنسب بخلاف المستودع فإنه في معرض الاسترداد ساعة فساعة، وهذا شأن المني في الأصلاب فإنه بصدد الإراقة في كل حين وأوان. وقيل: المستقر صلب الأب والمستودع الرحم، لأن النطفة قد حصلت في صلب الأب أوّلًا واستقرت هناك، ثم حصلت في الرحم على سبيل الوديعة، ولأن هذا الترتيب يناسب تقديم المستقر على المستودع. وعن الحسن: المستقر حاله بعد الموت لأن سعادته وشقاوته تبقى وتستقر على حالة واحدة والمستودع حاله قبل الموت، لأن الكافر قد ينقلب مؤمنًا والفاسق صالحًا والوديعة على شرف الزوال والذهاب. وقال الأصم: المستقر الذي خلق من النفس الأولى وحصل في الوجود والمستودع الذي لم يخلق بعد وسيخلق. وعنه أيضًا المستقر من في قرار الدنيا، والمستودع من في القبور إلى يوم البعث. وعن قتادة بالعكس. وعن أبي مسلم الأصفهاني: المستقر الذكر لأن النطفة إنما تستقر في صلبه، والمستودع الأنثى لأنها تستودع النطفة. وحاصل الكلام أن الإنسان خلق من نفس واحدة ثم إنه يتقلب في الأطوار ويتردد في الأحوال، وليس هذا بمقتضى الطبع والخاصية وإلا لتساوى الكل في الأخلاق والأمزجة فذلك إذن بتدبير فاعل قدير مختار خبير. ولهذا قال: {قد فصلنا الآيات} ميزنا بعضها عن بعض {لقوم يفقهون} لأن الفائدة تعود إليهم وإن كان الإرشاد عامًا، ولأن آيات الأنفس أقرب إلى الاعتبار وأهون لدى الاستبصار ختم هذه الآية بالفقه، وخصص خاتمة الآية الأولى بالعلم ليعلم أن الغافل عن هذه لا فطنة له ولا ذكاء أصلًا فضلًا عن العلم.
ثم عدد ما كونه نعمة أبين فيه من كونه آية فقال: {وهو الذي أنزل من السماء ماء} قيل: أي من جانب السماء وقيل: أي من السحاب لأن العرب تسمي كل ما فوقك سماء كسماء البيت. وقال أكثر أهل الظاهر: أي من السماء نفسها لأنه تعالى فاعل مختار قادر على خلق الأجسام كيف شاء وأراد. ونحن قد حكينا في أول سورة البقرة مذهب الحكماء في هذا الباب والله تعالى أعلم. قال ابن عباس: يريد بالماء هاهنا المطر، ولا تنزل قطرة من السماء إلا ومعها ملك. والفلاسفة يحملون ذلك على الطبيعة الحالة فيها الموجبة للنزول إلى مركزها. {فأخرجنا به} أي بواسطة ذلك الماء وذلك يوجب الطبع والمتكلمون ينكرونه {نبات كل شيء} قال الفراء: أي نبات كل شيء له نبات فيخصص بنبت كل صنف من أصناف النامي ويخرج ما عدا ذلك.
وفي الآية التفاتان: الأول من الحكاية إلى الغيبة حيث لم يقل نحن الذين أنزلنا والثاني من الغيبة إلى الحكاية وأنت خبير أن نقل الكلام من أسلوب إلى أسلوب باب من أبواب البلاغة، وصيغة الجمع لأجل التعظيم كما هو ديدن الملوك. ثم لما بين أن السبب وهو الماء واحد والمسببات صنوف كثيرة فصل ذلك بعض التفصيل حسب ما ذكر في قوله: {إن الله فالق الحب والنوى} فقال: {فأخرجنا منه} أي من النبات {خضرًا} شيئًا أخضر طريًا وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة. {نخرج منه} أي من ذلك الخضر {حبًا متراكبًا} بعضه على بعض. قال ابن عباس: يريد القمح والشعير والسلت والذرة، فأصل ذلك هو العود الأخضر وتكون السنبلة راكبة عليه من فوقه والحبات متراكبة وفوق السنبلة أجسام دقيقة حادة كالإبر. والمقصود من تخليقها أن تمنع الطيور من التقاط تلك الحبات المتراكبة. ولما ذكر ما نبت من الحب أتبعه ذكر ما ينبت من النوى فقال: {ومن النخل} وهو خبر وقوله: {من طلعها} بدل منه كأنه قيل: وحاصلة من طلع النخل {قنوان} أو الخبر محذوف لدلالة أخرجنا عليه. والتقدير: ومخرجة من طلع النخل قنوان وهو جمع قنو كصنوان وصنو. والقنو العذق وهو من التمر بمنزلة العنقود من العنب، والطلع أول ما يبدو من غذق النخلة. قال ابن عباس: يريد العراجين التي قد تدلت من الطلع دانية من تحتها. وعنه أيضًا أنه أراد عذوق النخلة اللاصقة بالأرض. قال الزجاج: ولم يقل ومنها قنوان بعيدة لأن أحد القسمين يغني عن الآخر كما قال: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] ويحتمل أن يقال: ترك البعيدة لأن النعمة في القريبة أكمل وأتم. وقيل: أراد بكونها دانية أنها سهلة المجتنى متعرضة للقاطف كالشيء الداني القريب المتناول، وأن النخلة وإن كانت صغيرة ينالها القاعد فإنها بالثمر لا تنتظر الطول {وجنات من أعناب} بالنصب عطفًا على {خضرًا} أي وأخرجنا به جنات من أعناب.
ومن قرأ بالرفع فعلى أنها مبتدأ محذوف الخبر أي وثم جنات من أعناب، أو وجنات من أعناب مخرجة، ولا يجوز أن يكون عطفًا على قنوان وإن جوّزه في الكشاف، إذا يصير المعنى وحاصلة أو مخرجة من النخل من طلعها جنات حصلت من أعناب. أما قوله: {والزيتون والرمان} بالنصب فللعطف على منصوبات قبلها أو للاختصاص لفضل هذين الصنفين. قال الفراء: أراد شجر الزيتون وشجر الرمان فحذف المضاف. واعلم أنه سبحانه قدم الزرع على الأشجار لأنه غذاء وثمار الأشجار فواكه والغذاء مقدم على الفواكه، ثم قدم النخل على سائر الفواكه لأن التمر يقوم مقام الغذاء ولاسيما للعرب. ومن فضائلها أن الحكماء بينوا أن بينه وبين الحيوانات مشابهات كثرة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من بقية طينة آدم» ثم ذكر العنب عقيب النخل لأنه أشرف أنواع الفواكه وأنه ينتفع به من أوّل ظهوره إلى آخر حاله. فأوّله خيوط دقيقة حامضة الطعم لذيذة وقد يمكن اتخاذ الطبائخ منه، ثم يظهر الحصرم وهو طعام شريف للأصحاء وللمرضى من أصحاب الصفراء، ثم يتم العنب فيؤكل كما هو ويدخر ويتخذ منه الزبيب والدبس والخمر والخل ومنافع كل منها لا تحصى، إلا أن الخمر حرمها الشرع لإسكارها. وأخس ما في العنب عجمه والأطباء يتخذون منه جوارشنات نافعة للمعدة الضعيفة الرطبة. ويتلو العنب في المنفعة الزيتون لأنه يمكن تناوله كما هو، وينفصل منه الزيت الذي يعظم غناؤه، وأما الرمان فحاله عجيبة جدًا لأنه قشر وشحم وعجم وماء. والثلاثة الأول باردة يابسة أرضية كثيفة قابضة عفصة، وأما ماء الرمان فبالضد من هذه الصفات وأنه ألذ الأشربة وألطفها وأقربها إلى الاعتدال وأشدها مناسبة للطباع المعتدلة، وفيه تقوية للمزاج الضعيف وهو غذاء من وجه ودواء من وجه، وكأنه سبحانه جمع فيه بين المتضادين فيكون دلالة القدرة والرحمة والحكمة فيه أكمل وأنواع النبات أكثر من أن يفي بشرحها المجلدات فاكتفى بذكر هذه الأنواع الخمسة تنبيهًا على البواقي. وأما قوله: {مشتبهًا وغير متشابه} ففي تفسيره وجوه الأوّل أن هذه الفواكه تكون متشابهة في اللون والشكل مع أنها تكون مختلفة في الطعم واللذّة، فإن الأعناب والرمان قد تكون متشابهة في الصورة واللون والشكل ثم إنها تكون مختلفة في الحلاوة والحموضة وبالعكس. الثاني أن أكثر الفواكه يكون ما فيها من القشر والعجم متشابهًا في الطعم والخاصية، وأما ما فيها من اللحم والرطوبة فإنها تكون مختلفة، ومنهم من يقول: الأشجار متشابهة والثمار مختلفة. ومنهم من قال: بعض حبات العنقود متشابهة وبعضها غير متشابه وذلك أنك قد تأخذ العنقود من العنب فترى جميع حباته مدركة نضيجة حلوة طيبة إلا حبات مخصوصة فإنها بقيت على أوّل حالها من الخضرة والحموضة والعفوصة، ومعنى اشتبه وتشابه واحد يقال: اشتبه الشيئان وتشابها كقولك: استويا وتساويا. وإنما قال: {مشتبهًا} ولم يقل مشتبهين إما اكتفاء بوصف أحدهما، أو على تقدير والزيتون مشتبهًا وغير متشابه والرمان كذلك كقوله:
رماني بأمر كنت ووالدي ** بريئا ومن أجل الطويّ رماني

{انظروا إلى ثمره} من قرأ بفتحتين فلأنه جمع ثمرة مثل: بقر وبقرة، وشجر وشجرة. ومن قرأ بضمتين فعلى أنه جمع ثمرة أيضًا مثل: خشبة وخسب. قال تعالى: {كأنهم خشب مسندة} [المنافقون: 4] أو على أن ثمرة جمعت على ثمار ثم جمع ثمار على ثمر {إذا أثمر} إذا أخرج ثمره {وينعه} يقال: ينعت الثمرة ينعًا وينعًا بالفتح والضم إذا أدركت ونضجت. أمر بالنظر في حال ثمر كل شجرة أوّل حدوثها وفي آخر حالها فإنها قد تكون موصوفة بالخضرة والحموضة ثم تصير إلى السواد والحلاوة، وربما كات أوّل الأمر باردة بحسب الطبيعة ثم تصير حارة الطبع وقد يخرج ضيئلًا ضعيفًا لا يكاد ينتفع به، ثم يؤل إلى كمال اللذة والمنفعة فحصول هذه الانتقالات والتغيرات لابد له من سبب مستقل في التأثير سوى الطبائع والفصول والأفلاك والنجوم وما ذاك إلا السبب الأوّل ومبدع الكل، ولهذا ختم الآية بقوله: {إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون} قال القاضي: المراد لمن يطلب بالإيمان بالله لأنه آية لمن آمن ولمن لم يؤمن، ويحتمل أن يقال: خص المؤمنين لأنهم المنتفعون بذلك دون غيرهم، أو المراد أن هذه الدلالة على قوّتها وظهورها دلالة لمن سبق قضاء الله تعالى في حقه بالإيمان وإلا فلا ينتفع به ألبتة ويكون من زمرة من قال في حقهم {وجعلوا الله شركاء الجن} قال الكلبي: عن ابن عباس نزلت في الزنادقة قالوا إن الله تعالى وإبليس أخوان، فالله خالق الناس والدواب والأنعام، وإبليس خالق الحيات والسباع والعقارب.